Scroll Top
AI-generated-art--Gimmick-or-game-changer-AR

على الرغم من أن أدوات صناعة الفنون عبر تقنية الذكاء الاصطناعي ليست جديدة، فإن إنتاج الأعمال الفنية عبر تقنية الذكاء الاصطناعي قد أسر مُخيلة مجتمع الإنترنت، وأصبح مرتبطًا بقوة بمزيج التقنيات الناشئة التي تُعطينا لمحة عن المستقبل، وشأنه كشأن جميع الفنون، يخضع الفن الناتج عن خوارزميات الذكاء الصناعي لمدى تقبل الجمهور، ويبقى كونه جيدًا أم سيئًا مسألة جدلية، وعلى الرغم من أن العديد من النقّاد ينظرون إلى جودة الأعمال الفنية التي ينتجها الذكاء الاصطناعي بعين الاستخفاف والتعالي، فإن بعض الأعمال قد قُدِّر ثمنها بأسعار خرافية في المزادات، وعُرِضَت في بعضٍ من أرقى المعارض العالم.

في دار “كريستيز”، أحد أبرز دُور المزادات العالمية للفنون في نيويورك وحول العالم، بيعت إحدى هذه القطع الفنية في عام 2018، مقابل 432 ألف و500 دولار أمريكي، وهو ما يُعد مبلغًا باهظًا، وكانت تلك اللوحة بعنوان “بورتريه إدمون دو بيلامي”، من إنتاج مؤسسة “أوبفيوس” الفنية الفرنسية، وأثار بيعها بهذا الثمن بعض التساؤلات الفلسفية الجدية حول طبيعة الفن نفسه، ما أعاد إلى الأذهان المناقشات المماثلة التي دارت حول التصوير الفوتوغرافي بعد اختراعه، وحول قدرته على التقاط صور للمناظر، بمجرد ضغطة زر، مقارنةً بتصويرها على اللوحات باستخدام الفرشاة والألوان؛ هل تُعَد الأعمال من نتاج الذكاء الاصطناعي أعمالاً فنية، إذا ما أخرجنا العنصر المادي المتمثل في صناعتها بأيد بشرية؟ كيف يمكن قياس قيمة هذه الأعمال، إذا تتطلب إنتاجها قدرًا ضئيلاً من القدرة الفنية على الإبداع لا يكاد يذكر، باستثناء القدرة على قراءة بضعة سطور من نصوص الخوارزميات؟ ولا مجال للشك في أن الفنانين الذين يعتمدون على تقنية الذكاء الاصطناعي وتوليد عناصر إبداعاتهم من أنظمة آلية (حاسوبية) قد كسروا الحواجز المعتادة التي تحول دون الإبداع وأتاحوا مساحة أكثر رحابة للتعبير الفني أمام هؤلاء الذين لا يتمتعون بالمهارات اللازمة للخروج بإبداعاتهم الخاصة.

إذًا كيف تُنتج تلك الأعمال الفنية؟

تجمع عملية صناعة الفن المتولد من الخوارزميات بين التعقيد والبساطة في الوقت نفسه على نحو مذهل؛ إذ يقوم استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الأعمال الفنية في الأساس على قدرته على تعلُّم تمثيل صور معينة بصورة آلية، بناءً على مدخلات خارجية، ويتمحور جانب “التعليم” في هذه العملية حول إدخال صور لأشياء في إحدى خوارزميات الذكاء الاصطناعي، إلى أن يكتسب معرفة عملية وجيدة بالشكل الذي يُفترَض أن يكون عليه أحد هذه الأشياء، وحينئذ، يجري اختبار هذه الخوارزمية بعرض مجموعة من الصور المختلفة عليها، للتعرُّف على “الشيء” الذي تحاول تمثيله، وبعد ذلك، تمُر الصورة عبر مجموعة من المُرشحات (الفلاتر) أو القوالب التي تقوم على الطراز الأسلوبي أو الفني لأداة التوليد الفني التي تستعملها.

تُوظف الصور الذي يستقيها الذكاء الاصطناعي من النصوص نفس المفهوم، لكنه يستخدم الكلمات في التعرُّف على ما تحاول إعادة تمثيله، وفي أحدث إصدارات أداة التوليد الفني القائمة على الذكاء الاصطناعي، يمكنك الآن جمع الكلمات الدالّة الرئيسية ومزجها في صورة واحدة، وأدى ذلك إلى ظهور العديد من أدوات التوليد الفني الجديدة بشكل شبه يومي، وإن كان الكثير منها لا يزال في نسخته التجريبية أو في مرحلة الاختبار، وتشمل تلك الأدوات أداة DALL-E 2، وأداة “ديب دريم” (Deep Dream Generator)، و”آرت بريدير” (Artbreeder)، و”بيغ سليب” (Big Sleep)، و”ميك إيه سين” (Make a Scene) التابعة لشركة “ميتا” المالكة لفيسبوك.

هل نشهد ثورة يقودها الذكاء الاصطناعي في عالم الفنون، أم مجرد حدث جديد سيتلاشى الاهتمام به مع الوقت؟

بالنظر إلى الرواج الذي يلقاه هذا الحدث مؤخرًا (وفي بعض الأوساط، الصيت السيء الذي يحظى به)، فمن السهل النظر إليه باعتباره أحد الموضوعات الهزلية العابرة التي يثيرها عالم التقنيات من حين لآخر، إلا أن إنتاج الفن باستخدام الذكاء الاصطناعي كان موجودًا منذ مدة أطول مما يُعتقَد، فعلى الرغم من أن أدوات توليد الفني المستمَدة من النصوص باستخدام الذكاء الصناعي تزداد انتشارًا بين الكثير من مستخدمي شبكة الإنترنت في عام 2022، فإن مفهوم استخدام الخوارزميات في صناعة الفن ترجع نشأته إلى أبعد من ذلك. في واقع الأمر، يرجع تاريخ أحد الإصدارات الأولى من هذه التقنية إلى عام 1973، حينما كتب فنان يُدعى هارولد كوهين برنامجًا باسم “آرون” (AARON)، والذي كان يُنتِج رسومات باتباع مجموعة من التعليمات المُعدّة بدقة، ويتمثل الاختلاف الرئيسي بين برنامج “آرون” والبرامج الأحدث حاليًا في مساحة الحرية الممنوحة لهذه البرامج في أن تتولى مزيدًا من المسؤولية عن الجوانب الفنية للمنتج النهائي.

وبما أن ما نراه اليوم لا يُعتبَر المرة الأولى التي يحاول فيها الفنانون العمل مع برامج بمثل هذه الطبيعة، يبقى السؤال: هل ستُثمر استمرارية هذه الأفكار عن قيمة وفائدة حقيقية؟ يصعُب علينا إصدار حكم قاطع في هذه المرحلة، ومع ذلك، فإن ما نراه اليوم من برامج مُخصصة للعمل على وضع تصاميم حقيقية ذات هدف إبداعي ملموس يُظهر أن نطاق هذا العلاقة التعاونية بين البشر والآلات له آثار بعيدة المدى، وبغض النظر عما ستنتهي إليه تلك العلاقة، فإن إنتاج المزيد من الأعمال الفنية الجميلة لا يمكن أن يكون أمرًا سيئًا على الإطلاق؛ فربما علينا أن ننظر بصدر رَحِب، لا بعين الاستخفاف والتعالي، إلى الاحتمالات الممكنة للوسائل التي ابتدعت هذا الجمال.

 

Recent Posts
Clear Filters

في عام 2022، ليس هناك أي عذر لأي شركة لم تستخدم بعض أدوات التسويق الرقمي على الأقل خلال السنوات القليلة…